السبت، 30 يونيو 2018

28.علاقة منتصف سورة الطلاق بأولها تلك العلاقة اللصيقة

علاقة منتصف سورة الطلاق بأولها تلك العلاقة اللصيقة  

  ومعني العتو في قوله تعالي{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبْنَٰهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَٰهَا عَذَابًا نُّكْرًا (الطلاق - 8)/سورة الطلاق}

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالي {{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)/سورة الطلاق }

ففيها

/ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ

/ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8)

/ ) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) / أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا

/ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10)

/رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ

/ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا

/قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)

/اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ

/ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)/سورة الطلاق }

١- گأَيَّنْ

تعريفها: 1.كناية عن العدد ،

2.خبرية مثل "كم" 

3.وتدل عن الكثرة

4.ولاتحتاج إلى جواب

5.وتمييزها مفرد مجرور   ب"من"ويجوز نصبه . مثل : "گأين من فقير أعطيته".

"وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) "


كأين : خبرية تكثيرية بمعني كم، في محل رفع المبتدأ .

 
من قرية  : جر ومجرور ، والجار والمجرور تمييز كأين .
عتت: فعل ماضٍ مبني على الفتح ، والتاء ضمير مستتر مبني على الضم في محل رفع الفاعل ، ومفعولها مقدر ب هي    \والهاء ضمير مقدر  مبني في محل نصب مفعول به ، والجملة الفعلية "عتت"في محل رفع خبر " كأين"
ومثل قوله تعالى : { وكأين من دابة لا تحمل رِزْقَها الله يَرْزُقُهَا الله وهو السميع العليم}[العنكبوت :٦٠]
كأين: خبرية تكثيرية بمعني "كم" ،في محل رفع المبتدأ .
من دابة: جار ومجرور، "تمييزكأين".
لاتحمل : "جملة فعلية "في محل جر نعت .
الله يرزقها : جملة اسمية في محل رفع خبر "كأين".
-

ملحوظة:
"
كأين مبتدأ وخبرها غالبًا ما يكون جملة فعلية ، ولكن يبقى أعرابها كإعراب كم " كمّا ذكرنا أعرب "كم" سابقا.

كــأين :
وهى اسم مبنى علي السكون دائما ، يعطى معنى "كم الخبرية" فتفيد الإخبار عن الكثرة. مثال :
كأين من غني لا يقنع ــ وقوله تعالي "وكأين من نبى قاتل معه ربيون كثير"

حكم تمييزها : يكون تمييزها دائما مفردا مجرورا بحرف الجر " من " .

لاحـــظ: تعرب كأين دائما اسم مبنى على السكون فى محل رفع مبتدأ والجملة بعد تمييزها خبر.
مثال إعرابي : " كأين من غني لا يقنع "
كأين : اسم مبني علي السكون في محل رفع مبتدأ ــ من : حرف جر مبني لا محل له من الإعراب ـ غني تمييز مجرور بحرف الجر من وعلامة الجر الكسرة ـ لا : حرف نفي مبني لا محل له من الإعراب ـ يقنع : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر تقديره " هو " والجملة الفعلية " لا يقنع " في محل رفع خبر لــ " كاين " .

وقد ذكر الباري جل وعلا هنا الاية مباشرة بعد احكام طلاق سورة الطلاق للاتي

1.= لأن هذه الأحكام الجديدة علي مجتمع النبي صلي الله عليه وسلم 

 /a/انزلها ليبدل بها الأحكام السابقة في سورة البقرة وهو سبحانه العليم الخبير بمكنونات ما في الصدور وهو الاعلم بما جُبلت عليه أنفسهم من ارتباطهم الشديد بما ألفوا عليه أنفسهم وعاداتهم [ كما هو الشأن في عادات كثيرة بدلها الله تعالي مراعيا عنصر التدرج لخلع هذه العادات من نفوسهم مثل عادات الخمر والميسر والازلام ورضاعة  الكبير وكثير ذكره القران في موضعه]وليس من السهل عليهم ارتباطهم بعادات جديدة بعد  تنزيل تبديل هذه العادات التدريجي الا بموعظة جديدة تملأ قلوبهم وتستقر في وجدانهم بعد أن يألفوها وقد علم الله تعالي فمهدهم اليها بالرضا والاذعان لله ورسوله أو بالتوعد والزجر والترهيب من عدم تنفيذ ما أنزله الله هذا وقد تضمنت سورة الطلاق تنزيلا جديدا بقاعدة جديدة غير التي كانت سائدة قبل تنزيل سورة الطلاق هذه  تمثل في عكس القاعدة السابقة بعنصريها في كلا التشريعين  فمن طلاق ثم عدة انعكست القاعدة الجديدة الي عدة  اولا ثم طلاق او امساك ولأن الله تعالي قد جعل لكل شيء قدرا فلابد أن أي تبديل أو تغيير في الاحكام المنزلة بالتنجيم او التتابع الزمني يكون بنفس القدر ولا يمكن التعامل مع حكم الطلاق في السورتين الا بهذا الميزان المقدر

= وقد نتج عن هذا التنزيل التابع لسورة الطلاق الاتي

1= ان تبدل كل الاحكام المنبنية علي قاعدتي كل من السورتين بنفس نسبة التعاكس بينهما

=* [يعرض صفحة من صفحات المدونة تفصيلية او رابطها]

=* وتسلسل تنزيل الاحكام الجديدة لسورة الطلاق بينها الباري في

1=* ايات بيان تنزيل التكليف الجديد { في قوله تعالي /وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ   / وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ   /وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ   / لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا   // ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ   // وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا  /وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ   / وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ   / إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ   / قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا  // وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)[[[ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ]]] هذا الامر من الله تعالي والذي جعل الله له قدره الذي لا يقل مثقال ذرة ولا يزيد عنه مثقال ذرة ...وهو نفس القدر الذي انذرنا به في اخر السورة مذكرا ايانا بعدة بداهات  كذا  وكذا  فاما القدر الذي انذرنا به في اخر السورة 1- فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ  2. اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ [ ايات التنزيل الجديد في سورة الطلاق   بعكس قاعدة التشريع السابق في سورة القرة المنسوخ منهل جل احكام طلاقها ] لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ وليعلم كل المؤمنون أن شأن الله في التنزيل والتشريع كما هو في كل شأنه جل وعلا  سبقت عليه قدرته المطلقة الأبدبة الأزلية ] وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [ وأن علمه جل وعلا محيط لا يتخلف عنه شيئ أبد وأزلا]   فبين سبحانه وتعالي انه ينزل ما يشاء وقتما يشاء ولا يقاس مجال التصور بتصوراتكم البشرية المحدودة --- - واما تذكيره ايانا ببداهات لا تغيب عن خاطر مؤمن وهي قدرته وغلبته علي ما يريد من تنزيل لايات الطلاق هذه المسطور فيها شرعه الجديد  فقال لنا [فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا   ** قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ }  أما المقصود الالهي منها [لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ /سورة الطلاق وذلك بتنزيله سبحانه لكل ما يريد وخاصة هنا من تنزيل أحكام الطلاق الجديدة بعكس قاعدتي الطلاق بينهما [ أي بين سورة البقرة وسورة الطلاق] وحدوث تعاليات هذا التنزيل من نورمخرج من الظلام ومن يقين مخرج من الظن ومن إحكام مخرج من التشابه ومن ظلام الإختلاف الي أنوار  الإئتلاف ومطلق الوضوح في تنزيل سورة الطلاق ] هكذا كان ارتباط أخر سورة الطلاق بأولها وكان الفاصل بين تفصيل التشريع في اول السورة وبين  تقرير تطبيق التشريع لنفس السورة هو 1. وكأين من قرية عتت .......... 2. حادثة تطليق عبد الله بن عمر لإمرأته ______ فهما الفاصل بين 1.توعد الباري لكل من أعرض عن تنزيله   2.وبيان النبي محمد صلي الله عليه وسلم لكيفية الطلاق الجديد المنزل من سبع سماوات كأمر من الله القادر وبين الممحو من باقي تشريعات الطلاق السابقة الا ما أذن الله بامتداده ليمتد الي أحكام طلاق سورة الطلاق مثل * اقرار عدة ذوات الاقراء كما هي لكن في ضوابط الشريع الجديد بأن يتم التطليق لهن بعد انتهاء عدتهن وليس قبلها وبقي من تشريع البقرة في الطلاق حكم الخلع لكن بضوابط التشريع الجديد يعني بعد العدة وليس قبلها وسائر تشريعات ومثل حكم العضل بقي كما هو وان اصبح لا تأثير له من الناحية العملية   ولدخوله في الاية [وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ] سورة الطلاق حيث صارت المرأة فيها أي في عدة الاحصاء  وفي سورة الطلاق صارت زوجة لا مطلقة   ]

==================================

 ==== معني العتو والمقصود الالهي من ذكره هنا في عقب تشريع الطلاق الجديد

 

كلمة ( وَكَأِيِّن ) اسم لعدد كثير منهم ، يفسره ما بعده ، فهى بمعنى " كم " الخبرية التى تفيد التكثير ، وهى مبتدأ ، وقوله ( مِّن قَرْيَةٍ ) تمييز لها .

 

وجملة ( عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا ) خبر للمبتدأ .

 

 والعتو : الخروج الشديد عن الطاعة مع العلو والاستكبار، يقال : عتا فلان يعتو عتوا وعتيا . إذا تجبر وطغى وتجاوز الحدود فى الاستكبار والعناد .

 
والمراد بالقرية : أهلها ، على سبيل المجاز المرسل ، من إطلاق المحل وإرادة الحال ، فهو كقوله - تعالى - : ( وَسْئَلِ القرية التي كُنَّا فِيهَا ) والقرينة على أن المراد بالقرية أهلها ، قوله - تعالى - بعد ذلك : ( أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً . . ) .
والمراد بالمحاسبة فى قوله ( فَحَاسَبْنَاهَا . . ) المجازاة والمعاقبة الدنيوية على أعمالهم ، بدليل قوله - تعالى - عن العذاب الأخروى بعد ذلك ( أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً . . ) .
ويجوز أن يراد بالمحاسبة هنا : العذاب الأخروى ، وجىء بلفظ الماضى على سبيل التأكيد وتحقق الوقوع ، كما فى قوله - تعالى - : ( ونادى أَصْحَابُ الجنة أَصْحَابَ النار . . ) ويكون قوله - سبحانه - : ( أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً . . ) تكريرا للوعيد .
والمعنى : وكثير من أهل القرى الماضية ، خرجوا عن طاعة ربهم ، وعصوا رسله ، فكانت نتيجة ذلك أن سجلنا عليهم أفعالهم تسجيلا دقيقا ، وجازيناهم عليها جزاء عادلا ، بأن عذبناهم عذابا فظيعا . وعاقبناهم عقابا نكرا . .
والشىء النكر بضمتين وبضم فسكون - ما ينكره العقل من شدة كيفية حدوثه إنكارا عظيما .
البغوى : وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا
قوله - عز وجل - : ( وكأين من قرية عتت ) عصت وطغت ( عن أمر ربها ورسله ) أي وأمر رسله ( فحاسبناها حسابا شديدا ) بالمناقشة والاستقصاء ، قال مقاتل : حاسبها بعملها في الدنيا فجازاها بالعذاب ، وهو قوله : ( وعذبناها عذابا نكرا ) منكرا فظيعا ، وهو عذاب النار . لفظهما ماض ومعناهما الاستقبال .
وقيل : في الآية تقديم وتأخير مجازها : فعذبناها في الدنيا بالجوع والقحط والسيف وسائر البلايا وحاسبناها في الآخرة حسابا شديدا .
ابن كثير : وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا
يقول تعالى متوعدا لمن خالف أمره ، وكذب رسله ، وسلك غير ما شرعه ، ومخبرا عما حل بالأمم السالفة بسبب ذلك ، فقال : ( وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله ) أي : تمردت وطغت واستكبرت عن اتباع أمر الله ومتابعة رسله ، ( فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا ) أي : منكرا فظيعا .
القرطبى : وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا
قوله تعالى : وكأين من قرية لما ذكر الأحكام ذكر وحذر مخالفة الأمر ، وذكر عتو قوم وحلول العذاب بهم . وقد مضى القول في " كأين " في " آل عمران " والحمد لله .
عتت عن أمر ربها ورسله أي عصت ; يعني القرية ، والمراد أهلها .

 
فحاسبناها حسابا شديدا أي جازيناها بالعذاب في الدنيا

 
وعذبناها عذابا نكرا في الدنيا والآخرة

 

 وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ; فعذبناها عذابا نكرا في الدنيا بالجوع والقحط والسيف والخسف والمسخ وسائر المصائب ، وحاسبناها في الآخرة حسابا شديدا . والنكر : المنكر

 

 وقرئ مخففا ومثقلا ; وقد مضى في سورة " الكهف " .
الطبرى : وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا
يقول تعالى ذكره: سَيَجْعَلُ اللَّهُ للمقلّ من المال المقدور عليه رزقه بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا يقول: من بعد شدّة رخاء، ومن بعد ضيق سعة، ومن بعد فقر غنى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا بعد الشدة الرخاء.
وقوله: ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ ) يقول تعالى ذكره: وكأين من أهل قرية طغوا عن أمر ربهم وخالفوه، وعن أمر رسل ربهم، فتمادوا في طغيانهم وعتّوهم، ولجوا في كفرهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط عن السدي، في قوله: ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ ) قال: غَيَّرت وَعَصَت.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا ) قال: العتو هاهنا الكفر والمعصية، عتُوّا: كفرًا، وعتت عن أمر ربها: تركته ولم تقبله.
وقيل: إنهم كانوا قومًا خالفوا أمر ربهم في الطلاق، فتوعد الله بالخبر عنهم هذه الأمة أن يفعل بهم فعله بهم إن خالفوا أمره في ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سمعت عمر بن سليمان يقول في قوله: ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ ) قال: قرية عذّبت في الطلاق.
وقوله: ( فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا ) يقول: فحاسبناها على نعمتنا عندها وشكرها حسابًا شديدًا، يقول: حسابًا استقصينا فيه عليهم، لم نعف لهم فيه عن شيء، ولم نتجاوز فيه عنهم.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، قوله: ( فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا ) قال: لم نعف عنها الحساب الشديد الذي ليس فيه من العفو شيء.
حدثني عليّ، قال: ثنا أَبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا ) يقول: لم نرحم.
وقوله: ( وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ) يقول: وعذبناها عذابًا عظيمًا منكرًا، وذلك عذاب جهنم.
ابن عاشور : وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) لما شُرعت للمسلمين أحكام كثيرة من الطلاف ولَواحِقه ، وكانت كلها تكاليف قد تحجُم بعضُ الأنفس عن إيفاء حق الامتثال لها تكاسلاً أو تقصيراً رغّب في الامتثال لها بقوله : { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً يُسْراً * وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فحاسبناها حِسَاباً شَدِيداً وعذبناها عَذَاباً نُّكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عاقبة أَمْرِهَا خُسْراً * أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فاتقوا الله ياأولى الألباب الذين ءَامَنُواْ قَدْ أَنزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْراً [ الطلاق : 2 ] وقوله : { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً } [ الطلاق : 4 ] ، وقوله : { ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً } [ الطلاق : 5 ] وقوله : { سيجعل الله بعد عسر يسراً } [ الطلاق : 7 ] .
وحذر الله الناس في خلال ذلك من مخالفتها بقوله : { وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } [ الطلاق : 1 ] ، وقوله : { ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر } [ الطلاق : 2 ] أعقبها بتحذير عظيم من الوقوع في مخالفة أحكام الله ورسله لقلة العناية بمراقبتهم ، لأن الصغير يُثير الجليل ، فذكَّر المسلمين ( وليسوا ممن يعتوا على أمر ربهم ) بما حلّ بأقوام من عقاب عظيم على قلة اكتراثهم بأمر الله ورسله لئلا يسلكوا سبيل التهاون بإقامة الشريعة ، فيلقي بهم ذلك في مَهواة الضلال .
وهذا الكلام مقدمة لما يأتي من قوله : { فاتقوا الله يا أولي الألباب } الآيات . فالجملة معطوفة على مجموع الجمل السابقة عطف غرض على غرض .
و { كأيّن } اسم لعدد كثير مُبهم يفسره ما يميزه بعده من اسم مجرور بمن و { كأيّن } بمعنى ( كَم ) الخبرية . وقد تقدم عند قوله تعالى : { وكأيّن من نبيء قتل معه ربيون كثير } في [ آل عمران : 146 ] .
والمقصود من إفادة التكثير هنا تحقيق أن العذاب الذي نال أهل تلك القرى شيء ملازم لِجزائهم على عتوّهم عن أمر ربهم ورسله فلا يتوهم متوهم أن ذلك مصادفة في بعض القرى وأنها غير مطردة في جميعهم .
وكأيّن } في موضع رفع على الابتداء ، وهو مبني .
وجملة { عتت عن أمر ربها } في موضع الخبر ل { كأيّن } .
والمعنى : الإِخبار بكثرة ذلك باعتبار ما فُرع عليه من قوله : { فحاسبناها } فالمفرع هو المقصود من الخبر .
والمراد بالقرية : أهلها على حد قوله : { واسأل القرية التي كنا فيها } [ يوسف : 82 ] بقرينة قوله عَقب ذلك { أعد الله لهم عذاباً شديداً } إذ جيء بضمير جمع العقلاء .
وإنما أوثر لفظ القرية هنا دون الأُمة ونحوها لأن في اجتلاب هذا اللفظ تعريضاً بالمشركين من أهل مَكة ومشايعةً لهم بالنذارة ولذلك كثر في القرآن ذكر أهل القرى في التذكير بعذاب الله في نحو { وكم من قرية أهلكناها } [ الأعراف : 4 ] .
وفيه تذكير للمسلمين بوعد الله بنصرهم ومحق عدوّهم .
والعتوّ ويقال العُتِيّ : تجاوز الحدّ في الاستكبار والعناد .
وضمن معنى الإِعراض فعدي بحرف { عن } .
والمحاسبة مستعملة في الجزاء على الفعل بما يناسب شدته من شديد العقاب ، تشبيهاً لتقدير الجزاء بإجراء الحساب بين المتعاملين ، وهو الحساب في الدنيا ، ولذلك جاء { فحاسبناها } و { عذبناها } بصيغة الماضي .
والمعنى : فجازيناها على عتوّها جزاءً يكافىء طغيانها .
والعذاب النُكُر : هو عذاب الاستئصال بالغرق ، والخسف ، والرجم ، ونحو ذلك .
وعطفُ العذاب على الحساب مؤذن بأنه غيره ، فالحساب فيما لقوه قبل الاستئصال من المخوفات وأشراط الإِنذار مثل القحط والوباء والعذاب هو ما توعدوا به .
ولك أن تجعل الحساب على حقيقته ويراد به حساب الآخرة . وشدته قوة المناقشة فيه والانتهارُ على كل سيئة يحاسبون عليها .
والعذاب : عذاب جهنم ، ويكون الفعل الماضي مستعملاً في معنى المستقبل تشبيهاً للمستقبل بالماضي في تحقق وقوعه مثل قوله : { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] ، وقوله : { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار } [ الأعراف : 44 ] .
والنُكُر بضمتين ، وبضم فَسكون : ما ينكره الرأي من فظاعة كيفيته إنكاراً شديداً .
وقرأ نافع وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر ويعقوبُ { نكُراً } بضمتين . وقرأه الباقون بسكون الكاف . وتقدم في سورة الكهف .
إعراب القرآن : وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا
«وَ» الواو حرف استئناف «كَأَيِّنْ» اسم كناية بمعنى كثير مبني على السكون في محل رفع مبتدأ «مِنْ» حرف جر زائد «قَرْيَةٍ» تمييز «عَتَتْ» ماض وفاعله مستتر والجملة الفعلية خبر المبتدأ والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها «عَنْ أَمْرِ» متعلقان بالفعل «رَبِّها» مضاف إليه «وَرُسُلِهِ» معطوف على ما قبلها ، «فَحاسَبْناها» الفاء حرف عطف وماض وفاعله ومفعوله «حِساباً» مفعول مطلق «شَدِيداً» صفة «وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً» معطوف على ما قبله.

 


===========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق